بلغة شعرية مكثفة يكتب أحمد العايدي فيلمه القصير الأول ( الحب في زمن الكولّة) ،أعترف أنني كنت من السذاجه بحيث تصورت أن الكولّة هي الكولا لمجرد وجود الزجاجة على أفيش الفيلم ، لكنها ليست الخدعة البصرية الوحيدة التي يستخدمها الفيلم ، حيث نجح العايدي طوال 10 دقائق - مدة الفيلم – في تسريب تفصيلات للإيحاء بوجود علاقات جنسية ، وهي خدع لم تكن لتحدث أثرها لولا براعة المخرج إبراهيم عبلة الذي انتهى من الفيلم كمشروع تخرج .
بطل الفيلم يعمل سائق توكتوك ( طيار ) لتوصيل الطلبات (الفطير) إلى الزبائن ، يحتفظ بزجاجة كوكاكولا كمزهرية يضع فيها الكولّة ثم وردة صناعية لتبدو حالته وهو يشمها طبيعية ، يبدأ الفيلم بمشهد للبطل نائما فوق سطح التوكتوك متذكرا حكايات جده عن شخص مات " راح يقابل ربنا خايف ومتلخبط ومكسوف فرد عليه ربنا أنت بقى لا هتدخل جنة ولا نار ، أنت هترجع الدنيا تاني لأنك معشتش " .
يفاضل البطل بين الحياة التي يتمناها والتي يحياها ، مستخدما معادل بصري بين الحالتين هما المترو " زي الناس المنظمة اللي بتقول لكل حاجة حاضر ونعم وتسمع الكلام" والتوكتوك ، نجح (عبلة) في التعبير عن المعنى بصريا عندما جمعهما في كادر واحد التوكتوك يسير في منحنى أسفل الكوبري بينما المترو في خطه المستقيم أعلى الكوبري .
نجح الفيلم في استخدام وتوظيف النص البصري دون الاتكاء على الحوار لتوصيل المعنى ، فسائق التوكتوك الطيار يسمع على باب زبون ( محمد الصاوي ) صوت تأوهات ، وعندما يفتح الباب يلمح في مدخل الشقة باب غرفة النوم وعلى السرير ما يشي بوجود نائم ، يدير عينه في المكان فيرى شنطة حريمي حمراء ، عندما يدرك الزبون أن سائق التوكتوك كشفه يضاعف البقشيش لضمان التواطؤ والسكوت ، لكن الطيار يخرج المطواة من جيبه على باب الشقة ، وقبل أن يغادر يعود صارخا في الزبون " خش هاتها " ، لنراه يلملم حاجاتها الشنطة وشريط الكاسيت ثم يضعها ملفوفة في ملاءة داخل التوكتوك .
في مكان مهجور يبدأ التوكتوك في الاهتزاز وجسد سائقه في الكنبة الخلفية مع الملاءة الملفوفة ، بعدها يخرج للتبول ، لكن حالة الانبساط والدندنة بالأغاني تجعلك لا تستطيع الزعم أي الفعلين سبب انسجامه ، قضاء الوطر أم الحاجة ، فكلاهما سواء ، زنقة واتفكت أو حاجة واتقضت .
بعدها يصبح التوكتوك لتوصيل طلبات من نوع أخر ، وفي نفس الوقت مكانا ثابتا للممارسة (الطياري) ، وهو ما يقوله الفيلم بفنية شديدة بتركيب مشاهد الأماكن داخل بعضها كادرات داخل كادرات بينما التوكتوك المهتز ثابت في الكادر ؛ فما يحدث داخله يمكن أن يحدث في أي مكان ، الكل مأزوم ، كما أن طريقة التركيب وتتابعها توحي بأن كل الأماكن مجرد ديكور لخدمة الرغبة الأساسية التي يكثفها التوكتوك .
مجموعة التفصيلات التي يسرسبها الفيلم بداية من الشنطة الحريمي في شقة زبون الفطير ، هيئة الجسد تحت غطاء السرير ، صوت التأوهات ، بيع سائق التوكتوك لزبائنه الجدد العازل الطبي ، ثم الرقم الذي يطلبه سائق التوكتوك نظير التوصيل ( 200 ) جنيه ، تنجح في خداع المشاهد الذي يفاجأ بالنكتة المأساوية في حوار طيار التوكتوك " 200 جنية ما ينقصوش مليم بدل ما اغُزهالك ، نزلي الفلوس في السبت احطها لك فيه " ، لنفاجأ بالعروسة النايلون مشنوقة في حبل الزبون المدلدل ، :) .
لا يمكننا الحديث عن حب تيك أواي في زمن الكولّة ، لأن ما حدث لم يكن حباً إنما حالة أسوأ من ضرب العشاري ( الاستمناء ) التي تعتمد فيها على نفسك مدركا مدى وحدتك وحاجتك ، أما صنع حالة الانسجام بعروسة نايلون ( منفوخة ) وأصوات تأوهات على شريط كاسيت لا يبرره إلا سطل إدمان الكولّة .
الفيلم على درجة عالية من الفنية ، تحسب لطاقم العمل ، سواء في انتقاء الموسيقى ، أماكن التصوير العشوائية ، حركة الكاميرا وتقطيع اللقطات ، مثلا حركة العروسة البطيئة في المشهد من أسفل لأعلى لاستعراض جسد منفوخ وبلا وجه ، لقطة الكلوس لفم البطل وهو ينزع البلف بأسنانه ، وعلى مستوى السيناريو الموزع جيدا بين الحوار والنص البصري أو الصمت الدال ، الجمل قصيرة معبرة عن الحالة ، فمثلا البطل لا يرضى عن عمله ، فنسمع بدلا من رنين الموبايل جملة (هناك شخص تافة يتصل بك) لنعرف أن صاحب المحل يطلبه لتوصيل الفطير .
يبدو الفيلم بما يضمه من إيحاءات جنسية صادما لذوي الأذواق المتحفظة ودعاة السينما النظيفة ، وهي إيحاءات تجاوزت حدود التلميح إلى التصريح في مشهد لكلبين يتضاجعان استخدمه المخرج مرتان الأولى في بداية الفيلم للتلميح بما يحدث في التوكتوك الذي يواصل الاهتزاز أثناء نوم البطل على سطحه ، لم يكن المشهد في محله لأن الجارة خرجت تزعق بالصوت الحياني " ألحق العيال ولاد الكلب ماسكين عروسة في التوكتوك بيسخمطوها " ، فالمشاهد عرف من الحوار ما يحدث داخل العربة دون الحاجة للكلبين ، والثانية عندما خرج الجار مدافعا عن شرف المكان – على طريقة الأفلام العربي القديمة - " نجستوا المكان يا ولاد الكلب " ملقيا حجرا قاصدا به سائق التوكتوك لكنه يصيب الكلاب المتضاجعة ، فكان مشهد طريفا وفي محله .